«الجناب الأجل والكهف الأظل، الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيل الملكى ملجأ الفقراء ومحط الرجال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن أبوصبيح سيبة.. عظيم بلاد الصعيد ومن كل خيره يعم القريب والبعيد»
ولد عام 1709م بقرية “فرشوط” بمحافظة قنا، ورث عن والده وجدّه القوة والنفوذ كأحد أبرز الملتزمين من هوارة؛ فورث زعامة قبيلته وأراضي شاسعة تمتد من المنيا لأسوان.. لكنه لم يكتف بالأراضى التى ورثها، بل قام بتوسعة نطاق أملاكه على حساب بعض القبائل الأخرى ومماليك رأوا أنهم لا يستطيعون أن يقفوا أمام شيخ العرب، الأمر الذي تسبب فى قلب حياته فيما بعد رأسًا على عقب.
– ظهر على بك الكبير على مسرح الأحداث، وبذكاء ودهاء استطاع أن يوقع بين منافسيه على منصب مشيخة البلد واحدًا بعد الآخر، وحاول الإيقاع بين “حسين بك كشكش” و”صالح بك القاسمي” بتعيين الأول حاكمًا لـ”جرجا” بدلًا من الثاني الذى أمر بنفيه إلى رشيد ثم إلى دمياط ، فما كان من الأخير إلا أن لجأ إلى المنيا عند حليفه “همام”، الرجل الذي كان حجر عثرة في وجه مخطّطات “على بك الكبير”، فاستطاع أن يهزم الحملة التي أرسلها “حسين بك كشكش”، ثم أخيرًا تحالف الاثنان “صالح” و”حسين”، فاستطاعا هزيمة “علي بك”، ونفيه إلى الشام، فاستعاد الأول ولاية “جرجا”، وسيطر الثاني على القاهرة.
– لم يستسلم “علي بك” وعاد إلى القاهرة متظاهرًا بالندم والتوبة، فانخدع خصومه فيه وولّوه حكم منطقة بعيدة عن القاهرة ليأمنوه، لكنه عاد للتمرّد مرة أخرى، فتم نفيه أخيرًا إلى المنيا ليجد نفسه مضطرًا للتحالف مع عدوه القديم “صالح بك”، والشيخ “همام”.. وأدرك الشيخ “همام” أن “علي بك” يمتلك من العزيمة والقوة ما يمكنه من تحقيق أحلامه، فتوسط بينه وبين “صالح بك” ليساعده على استرجاع نفوذه فى القاهرة، مقابل أن يضمن “على بك” ولاية “جرجا” مدى الحياة لـ”صالح بك القاسمى”، ومن ثم توطيد نفوذ “همام” مدى الحياة كذلك.
– وينتصر “على بك” على أعدائه فى شمال بني سويف ويتخلص من “حسين كشكش” وأعوانه، فأعتقد الشيخ همام أن المعركة انتهت، لكن الحقيقة أنه كان بصدد معركة أخرى بانتظاره
– حين نجح “على بك” فى خداع “صالح بك القاسمى” واستدراجه لاجتماع في القاهرة ثم أغرى بعض أتباع “القاسمي” بإغتياله، أيقن الشيخ “همام” أن الدور قادم عليه، لكنه لم يشأ أن يبدأ بالصدام مباشرة، فراوغ خصمه، ووافق على الاكتفاء بأرضه فى قنا وأسوان فحسب دون الصعيد كله، وتنازل عن التزامه هدية لقائد “علي بك” وهو “محمد أبي الذهب” رغبة فى استمالة الأخير، ليثني سيده عن القضاء على “همام”، بعد أن انفرد “علي بك” بالسلطة في القاهرة وأقصى كل منافسيه.
– لكن “على بك” لم يكتف بهذا النصر المبدئى، فطلب من “همام” أن يطرد المماليك الفارين عنده ليثبت حُسن النية، فأدرك “همام” أن المعركة لا مفرّ منها، وكان عليه أن يخوض معركة أخيرة.
اتفق “همام” مع الأمراء المماليك عنده على الهجوم على أسيوط وانتزاعها تمهيدًا لنزول القاهرة والقضاء على “علي بك” فأمدهم بالرجال والأموال والذخائر وبالفعل تمت مهمتهم بنجاح واحكموا سيطرتهم على أسيوط.
– لكن “على بك” لم ييأس وعلم أن معركته مع “همام” هى التي ستحدد مستقبل نفوذه في مصر، فقام بإرسال جيش ضخم لمعاونة جيش والى جرجا، واستعان بالمرتزقة، وكان النصر حليفا لـ”علي بك”، و ذلك لخبرة جنوده ووفرة عددهم، وأصدر قرارًا بالتوجه إلى “فرشوط” للقضاء على شيخ العرب نهائيًا.
– ويلجأ “على بك” إلى سلاحه المفضّل وهو الخيانة، فأغرى بن عم همام وهو “إسماعيل أبوعبدالله” بخيانة قريبه والانسحاب برجاله، وكان شيخ العرب يثق في بن عمه هذا كثيرًا، فزادت الخيانة من هم شيخ العرب، وترك عاصمته “فرشوط”، ليموت مقهورا في قرية “قمولة” فى 7 ديسمبر 1749م
انتهت سيرة شيخ العرب “همام”، وقبل أن يُسدل الستار على هذه النهاية الحزينة، نرى “محمد بك أبوالدهب” وهو يدخل “فرشوط” وينهبها، ثم يصطحب “درويش” بن همام معه إلى القاهرة لتوفيق أوضاع الهوارة في مرحلة ما بعد “همام”، لينتهي فصل زاهر من حياة الصعيد حفل بالأمن والرخاء، وتبقى ذكرى شيخ العرب همام خالدة تحفظها ذاكرة أهل الصعيد، يبثوها في كلمات موال حزين يغنونه كلما هيجت مرارة الواقع شوقهم إلي عدل همام ويبدأ الموال مناشدًا إياه: