ثقافةرأيسلايدرفنون

من مظاهر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ٤٣ وأفلامه

الأطفال والروائي المنقوص والعنصر النسوي.. والتأخير والشباب وتسريب التذاكر

كتب – جمال المراغى

مرت أكثر من ثلاثين عاما منذ بدأت معي متعة متابعة أفلام مهرجان القاهرة السينمائي والتنقل بين دور العرض ثم قاعات الأوبرا وسينما زاوية ثم سينما الزمالك وأخيرًا قاعة إيوارت، ومعايشة ألوان مختلفة من الحضارات واللغات ومعانقة شعوب ومجتمعات متباينة ترصد معه المختلف والمتوافق بينها وتحدث رغما عنك مقارنات بين ما تتابعه خلال عشرة أيام وما تشاهده محليا وهو ما بات نادرا وأقل عددا، للسينما سحر وقوة تجعلها سلاح غير مروض، ومعه تصبح متابعة مهرجاننا القومي ورصد مظاهره ضرورة وواجب.

تأتي لجنة تحكيم المسابقة الدولية كأبرز ما حفل به المهرجان خلال هذه الدورة من حيث التباين الفكري والتنوع الفني والتقني وخاصة رئيسها “أمير كوستوريتسا” الذي يمثل حضوره حدثا مهما في حد ذاته بخبراته مع أهم المهرجانات الدولية كعضو ورئيس لجان تحكيم في مسابقات مختلفة لأكثر من ٣٥ عاما يثريها خلفياته الجغرافية والفنية ومشواره الموسيقي الذي له تأثيره في تعامله مع المهرجانات، وقد مرت أيامه في القاهرة بدون أن ينقل عنه تصريح يحدث أزمة سياسية وفي هذا إنجاز أيضا، بينما تحتاج لجان التحكيم في بقية الأقسام لنظرة ومراجعة كما وكيفا.

وسجل الشباب حضورا مميزا بحيويته وحماسه الكبيرين ومحاولاته مد يد المساعدة دائما والتواجد في كل مكان إلا أن الأمر لا يخلو من وجود تناقض أحيانا وخاصة فيما يتعلق بالإجراءات الاحترازية المتعلقة بكورونا وهو أمر وارد يمكن تلافيه إن حرصت الإدارة على مراقبة كل صغيرة وكبيرة كما كانت في الدورات الثلاث الماضية، وهو ما ينعكس على أمور عدة بدت أقل دقة ومهنية، ولكن الوضع عامة لم ينفلت إنما يحتاج لشيء من المراجعة والتقييم بموضوعية وأن تكون الأولوية للكفاءة والمصلحة العامة.

وفي ذات الاتجاه ومن أجل تلافي الأخطاء أيضا، فإن تأخير العروض عن موعدها ما بين نصف إلى ثلاثة أرباع الساعة، هو أمر غير مهني، ولا ينبغي أن يحدث مع أحد المهرجانات الكبري وفي حضور رئيسه، وقد تكرر معي ذلك ثلاث مرات من أجل تكريم وتأبين وتوزيع جوائز هامشية، وتسبب في عدم حضوري وآخرين الفيلم التالي وفقا لجدول المشاهدة الذي أعدوه مسبقا، وكان يمكن التنويه عن ذلك في اليوم السابق وأن الفيلم سيبدأ في موعد مختلف حتى يتثنى للحضور توفيق مواعيدهم أو التنويه عن إجراء هذا التكريم أو التأبين قبل موعد الفيلم بوقت كافي ثم يبدأ الفيلم في موعده، وذلك في ظل توفر وسائل اتصال وإعلام عديدة كمجموعات الواتس والبريد الإلكتروني والتطبيق الرقمي والنشرة اليومية.

وصولا لآفة يجب التخلص منها سريعا تتمثل في نفاذ تذاكر بعض الأفلام في وقت قصير للغاية لا يتجاوز أحيانا ٤٠ دقيقة من بداية إتاحتها وهو أمر مستحيل عمليا، ووجود شبهة تسريب رأيت بعضا من ملامحها وتمثل في سحب ما يزيد على ٢٠ تذكرة دفعة واحدة لأحد هذه الأفلام قبل موعدها بيومين من قبل شخص يرتدي زي وبطاقة تعريف شباب شباك التذاكر ولكنه لا يتواجد معهم بل حضر لسحب التذاكر وانصرف وتكرر ذلك مرتين خلال ساعة، إلى جانب آخر كان بصحبته مجموعة كبيرة من تذاكر فيلم آخر لم يأت موعد حجزه وكان يقوم بتوزيعها على عدد ممن يستقلون السيارات في الجراج.

وما بين حفلي الافتتاح والختام هناك ما يجب أن يقال، فقد تابعت الافتتاح من المنزل وكان إخراجه عبثيا للغاية وخاصة فيما يتعلق بشاشة العرض التي كانت تغادرنا في أوقات غير مناسبة وأكثرها تأثيرا عند عرض صور ومقاطع عمن رحلوا، إلى جانب أن العديد من الاختيارات كانت غير موفقة، وإن خفف من وطأة ذلك حضور الفنانين خالد الصاوي وسمير صبري والمكرمين كريم عبد العزيز ونيللي.

بينما كان الختام الذي حضرته من المسرح أفضل كثيرا، بداية من حركة التصحيح التي لمسها الجمهور بحضور جاسمين طه التي استقبلت بحفاوة، ولكن استمرت سمة إلقاء بعض الحضور في البلكونات العلوية التي يصعب كثيرا متابعة الحفل من خلالها وبدى أنها مخصصة لمطاريد الحفل أو من حضر بدون دعوة في حين هناك أماكن خالية بالأسفل، ورغم وضوح أنه قد تم الكشف عن الفائزين قبل الحفل للتنسيق مع أجل استلام الجوائز والتأكيد على حضور من يستطيع منهم؛ إلا أن هناك من فوجئ بأنه من الفائزين وهو يوحنا ناجي الملقى مع أسرته وأصدقائه بين المطاريد، والذي ما أن سمع حتى هرول لاستلام الجائزة فكاد يسقط من الشرفة لولا أن الخالق كان رحيما به وبإدارة المهرجان التي أوصيها بالاهتمام بأصدقاء المهرجان الحقيقيين الحريصين على حضور فعاليته منذ عشرين وثلاثين عاما.

ولا تعليق على الفائزين، فمن الطبيعي أن نختلف حول من يستحق اكثر غيره إلى جانب أنه لا يتثتي لكل متفرغ مشاهدة كل الأفلام المتنافسة في مختلف المسابقات، لكن مختلف الحضور اتفقوا على استحقاق الموهبة المصرية محمد ممدوح، وقدرت لجنة التحكيم أيضا أداء المراهقة الإيطالية سوامي روتولو بطلة فيلم كيارا في أول ظهور تمثيلي لها ويحسب ذلك لمخرج الفيلم جوناس كاربينيانو الذي حصل على جوائز من غالبية المهرجانات التي شارك فيها، كان، لشبونة، ستوكهولم، زيورخ وإشبيلية باستثناء مهرجان القاهرة.

مال الكثير من صناع الأفلام ومبدعيها إلى النهج الروائي المنقوص في معالجتهم حيث يبدأ بمقدمة لا غنى عنها قصيرة كانت أو طويلة تتراوح بين ثلاث دقائق كما في فيلم ابني ماد وثلاث أرباع ساعة كما في فيلم قودي سيارتي ثم يستمر السرد الدرامي ليتوقف عند نقطة لا تمثل نهاية للأحداث وإنما استمرار للحياة وهو نهج أقرب للواقع، وغلب على اختيارات المهرجان أفلام المخرج المؤلف أو المشارك في كتابته عن الأفلام المأخوذة عن أصل أدبي بخلاف ما كان الأمر في الدورة السابقة، وهو أمر غير مقصود بالتأكيد إنما يعكس طبيعة ذائقة لجان المشاهدة رغم الزيادة المطردة في الأفلام ذات الأصل الأدبي عالميا خلال عامي كورونا.

وتماشت أفلام المهرجان مع الظاهرة العالمية المتمثلة في إسناد البطولة في الأفلام لأطفال ومراهقين رغم صعوبة التعامل معهم والتي تخضع حاليا لعدد من الأبحاث والدراسات خاصة وأن الأمر لا يتعلق بالموضوع لأن أغلب هذه الأفلام يكتبها مخرجوها، ربما لأن نجاح تلك التجارب إن نجحت يكون مبهرا ومنها أفلام كيارا، رقيق، صلاة من أجل المسلوبين، أمي الصغيرة وماشا، وقد تجاوزت نسبتها ٦٠%، ورغم تقدير قيمة ما يحققه صناع الأفلام وقدرتهم على تطويع مواهب صغيرة متمردة بطبعها ويصعب تطويعها، إلا أن الخطورة تكمن في الزج بالأطفال في موضوعات ورؤى غير مناسبة.

كما يبدو أننا لسنا في حاجة إلى البحث عن سبل للمساواة بين الرجل والمرأة سينمائيا في المهرجان، حيث تجاوزت نسبة الأفلام التي تتمحور حول العنصر النسوي نحو ٧٠% تتضمن المراهقات، وغالبيتها من إخراج رجال، ويعيب ذلك أنه في قليل منها يأتي الاهتمام بالمرأة على حساب الرؤية والموضوع الذي يبدو مبتورا.

احتضنت دار الأوبرا المصرية بقدراتها الكبيرة وكعادتها في السنوات الأخيرة فعاليات المهرجان وكانت على قدر الحدث وقيمته، وأصبح العاملين به أكثر خبرة في التعامل مع الجمهور الشباب منهم وكبار السن وباتت الأوبرا أكثر حيوية وعبرت عن إمكانياتها اللامحدودة وأنها تتوق لمزيد من الفعاليات وخاصة السينمائية والمسرحية، وأن نفتح الباب لمزيد من الأفكار والأحداث التي تستضيفها القاهرة.

عبّر حضور الجمهور بأعداد كبيرة أخذت تزيد من عام لآخر في الدورات الأخيرة وخاصة من قبل الشباب؛ عن شوقهم ورغبتهم في مشاهدة أفلام سينمائية حقيقة بعيدا عما يقدم من أفلام مصرية وأجنبية لا ترضيهم، وهو ما يدفع غرفة صناعة السينما تجاه تجربة عرض أفلام من جنسيات وثقافات مختلفة تتنافس فيما بينها لإرضاء الجمهور المصري.

مع كلمة النهاية يبقى التأكيد على أن الإشارة إلى بعض المظاهر السلبية التي شهدتها أيام وليالي المهرجان ما هي إلا محاولة لدفع مهرجاننا نحو الأفضل، ولا تقلل من نجاحه حتى الآن، فهناك حماس كبير وتفاؤل وتطلع نحو الأفضل في عيون المخلصين ومكتسبات يجب أن نحافظ عليها ونعمل على تنميتها.

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى