ثقافةرأيسلايدرفنون

سحر السينما بين الصامت والرسوم المتحركة

قراءة في أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الدورة 43 (1)

كتب – جمال المراغى

كنت قد انتهيت من مشاهدة أحد أفلام المهرجان ورُحت أدون بعض الملاحظات قبل أن أغادر ووجدت نقاشًا حادًا بين اثنين أحدهم ناقد بأحد المواقع الإلكترونية المعروفة والآخر مدون معروف أيضًا وأدركت أن فيلم “ابني ماد” هو مصدر الخلاف بينهما؛ فالناقد يرى أن الفيلم ينال من الإسلام والمسلمين ويجب مقاطعته بينما يجده المدون يدعم الإسلام المستنير، وبلغ الأمر مداه معهما حد تبادل السب ونعت كل منهما الآخر بالمتخلف والمنحل وكاد أن يتطور إلى تشابك بالأيدي لولا أن أفراد أمن القاعة قاموا بطردنا من أجل تطهيرها، والمدهش أن كلاهما لم يشاهد العرض، وإنما تلقى نصيحة من صديق له.

يبدو طبيعيًا أن يولد هذا الموقف الفضول والدافع لمشاهدة الفيلم، ولكني كنت قد اخترته صمن الجدول الذي أعددته بعد تفحص الأفلام ومشاهدة ما تيسر من المقاطع الدعائية والتشويقية، لأكتب عنها فيما بعد، وكان موعدي معه بسينما الزمالك، ومع الرسوم والعبارات الأولى أظهر صناع الفيلم؛ مخرجته “ميكايلا بافلاتوفا” ومعالجة سينمائية لكل من “إيفان أرسينييف” و”يائيل جيوفانا ليفي” عن رواية “فريشتا” للكاتبة “بترا بروتشازكوف” وأداء صوتي سوزانا ستيفينوفا وشهيد مقصودي وشملا مقصودي؛ جرأة كبيرة في التعبير عن الفرق بين الشاب التشيكي أو الأوروبي عامة ونظيره المسلم حيث وجدتهم هيلينا أو هيرا بطلة الحكاية متبلدي المشاعر ولديهم لا مبالاة بكل شيء بخلاف الأفغاني الذي أشعرها حضوره بالدفء وجعلها تذهب معه وتترك بلادها، بل تقبل أن تغير اسمها وتختبئ داخل البرقع كغيرها من نساء كابول، واعترفت بحق الرجل في أن لا يرى فتنتها غيره، وأن المرأة الرشيدة هي التي تكتفي بعيون زوجها دون غيره من  الرجال.

جاءت معالجة الفيلم موضوعية في سردها وبسيطة بخلاف الرواية المأخوذة عنها الأكثر تعقيدا بتفاصيلها، حتى أنها لم تصف المتشددين ممن انتزعوا أبناء شقيقة زوجها منها بعد هروب ابنتها الكبرى حتى لا تتزوج وهي مازالت طفلة أو من فجروا زوجها لرفضه التعاون مع حركة طالبان؛ بالمتطرفيين أو الإرهابيين، وتركت الوصف للجمهور، وتواصل السرد السلس المقنن مع تبادل اللوحات المعبرة بشخوصها والتفاصيل المحيطة بها،  لتعبر برؤية ثاقبة عن المعضلة التي يعاني منها العالم بين مطرقة التشدد والتمسك بعادات بالية لا علاقة لها بأي من الأديان يمكن أن تجده في أي مكان، وسندان الانحراف والتحلل الاجتماعي والابتعاد عن الأخلاق والروابط الأسرية، وهو ما جعل ابنة التشيك تهرب من بلادها لكابول، وفتاة أفغانية وأمها تهربا منفردتين إلى خارج أفغانستان.

إن  قيمة الوطن لا ترتبط بشخوص أو أشياء بل برابط مكاني غريزي يولد مع كل إنسان ولكن التجارب أثبتت إن الشعور بالإهمال والبرود العاطفي يمكن أن يكسر روابط الوطنية ويجعل المرء يتخذ من مكان آخر أكثر فقرًا وطنًا له طالما شعر فيه بالاهتمام والدفء وكان زوجها “نظير” مصدر هذا الدفء والداعم لها لتتحمل التشدد الصعب الذي لم تتحمله ابنة هذه البلاد فما بالكم بامراة أوروبية، لهذا عندما مات ذهب الدفء وقررت الهرب بعيدًا، لكن مصدر آخر منعها وهو ابنها ماد أو محمد الذي تبنته مع زوجها والذين وجد هو الآخر الدفء العائلي الذي كان يفتقده، وأنه في حاجة للجد والجدة والعمة كحاجته لأمه بعد أن فقد أبيه.

إن بقاء هيرا وعدم رحيلها وتربيتها لابنها المسلم ليشب مثل أبيه تجعله يمثل المزيج الذي يجمع بين الخصال الحميدة للمسلم والأوروبي، ويحقق الوسطية التي تضمن العدالة والمساواة بين كل البشر أي كان نوعهم أو عرقهم وهي خلاصة ما جاءت به كل الرسالات السماوية التي لم تتضمن أي منها أن تتزوج فتاة قاصر من شخص لا تعرفه ولا ترغب في ربط حياتها به، كما لم تبيح لها أن تعثو في الأرض شبه عارية  تحت شعار الحرية المزيف، فالحرية مسئولية لا يستحقها إلا من يقدر قيمتها.

غاب الفيلم الصامت الذي كان حاضرًا خلال الدورة السابقة مع رائعة المخرج الإسباني “خوانما باچو ولوا” وفيلمه “طفل” والذي أجمع الكثيرون أنه أفضل ما شاهدوه، ولكن حضر هذه الدورة فيلم الرسوم المتحركة المميز في معالجته وتصميماته وإخراجه والأداء الصوتي له، أسلوب بسيط مختلف عما اعتاده الجمهور مع الرسوم المتحركة الأمريكية وطبيعة مختلفة أقرب للجمهور العربي الذي عاش بين دورة والتي تليها مع سحر السينما الحقيقة ومستقبلها الكامن في الصامت والرسوم المتحركة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مخرجة الفيلم

مجموعة العمل

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى