ثقافةرأيسلايدرفنون

رجالنا.. سراب يؤدي للخيانة والموت

قراءة في أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الدورة 43 (4)

كتب – جمال المراغى

ربما تبدو رؤية حالمة، ولكن هناك من يتمسك بها؛ أن يتخلص العالم من الأسلحة بكل أشكالها وأنواعها وكل ما يمكن أن يتسبب في سفك دماء الإنسان ويهدد الحياة على الأرض عامة، وبالتالي حل كل الجيوش في العالم، وهو ما يتطلب بالضرورة التوصل لتوافق بين كل الأطراف المتنازعة على الأرض، وهو ما يتبعه القضاء على أكبر مصادر الخوف والهلع والهروب من مكان لآخر والتذلل الذي يتبادله الجميع بصور مختلفة لا يعيها البعض، ومنها ما رصدها الفيلم الفرنسي “رجالنا” وإن لم يذهب إلى السبب الرئيسي مباشرة ولكن كل سبل التفكير تؤدي إليه.

في سخرية تبدو متعمدة بداية من عنوان الفيلم، ذهبت كاتبته ومخرجته “راشيل لانج” تستعرض حياة بعض الشباب الناشط في الجيش الفرنسي ودوره الوطني الذي يخوضه، بل والعالمي!؛ ما بين حياتهم الأسرية غير المستقرة والأزمات المزمنة التي يعاني منها أفراده وخاصة العنصرية التي لا تتعلق فقط باللون ولكن بالأعراق المختلفة التي يتشكل منها المجتمع، وما يجب أن تتحمله المرأة وسط هذه الاضطرابات وعدم القناعة بما يخوضون ليس من قبلهن فقط ولكن من قبل أزواجهن أنفسهم.

رغم حرص “لانج” وتركيزها على التفاصيل ولكن غاب عنها المنطق في بناء الشخصيات وخاصة الزوجة الجديدة الشابة الذي أدته الممثلة الليتوانية “إينا ماريجا برتيت” – التي رحلت عن عالمنا عن عمر 24 عامًا قبل عرض الفيلم بنحو ستة أشهر إذ اغتالها ابن أحد السياسيين عندما كان يقود سيارته مخمورًا وصدم دراجتها التي كانت تستقلها في طريق عودتها لمنزلها – فكانت شخصية محبة متزنة تدرك أنها ترتبط بضابط في الجيش وما يتطلبه ذلك الارتباط، ولم يكن هناك مبررًا واقعيًا أو حتى دراميًا لأن تخون زوجها وحبيبها لمجرد أنه تأثر بموت زميله وباتت العلاقة بينهما أقل حميمية لفترة قصيرة، كما أن الشخصيات السوية مثل تلك الفتاة لن تقبل على ممارسة الجنس مع شخص لا يوجد مشاعر متبادلة بينهما، فبدت مشاهد خيانتها غريبة وغير مفهومة وكأنها من فيلم آخر، تمامًا كمشاهد ندمها التي اقتصرت على بعض الدموع عقب علمها بنبأ موته في إحدى العمليات، ثم تستمر الحياة وهي تستعد لوضع طفلها الأول من عشيقها.

بعد إسهاب مع معارك مبهمة تبين لصانعة الفيلم أن هذه العمليات العسكرية جزء من جهود نشر السلام، أين وكيف ولماذا لا يهم، فتلك الجيوش تحارب تحت شعارات جوفاء يحاول أصحاب المصالح في تجارة السلاح وما يتبعها من تجارات قذرة أخرى إقناع أفراد هذه الجيوش من جنود وضباط بها، ولكن هيهات، وهنا تصبح معسكراتهم مركز لإعداد معتلي الأمراض النفسية والعصبية، وهنا يغيب الإيمان بما يمكن أن تضحي من أجله، مما يؤدي بالمرء للكفر بالحب والارتباط الشرعي، والهروب إلى مشاعر مزيفة لكنها مقنعة وحاضرة أكثر، ستؤدي حتمًا لخيانة المشاعر الحقيقية الغائبة، ويدعم ذلك تحطم القلوب وتألمها وبحثها عن مكان للسكينة.

لكن الحالة التي تابعتها راشيل لم تجسد ذلك، وإن ذهب ظننا نحو أن هذا التناقض مقصود منها، فهي هنا تشير نحو مساحة ضخمة من السراب وعالم فقد رشده كليًا، وأن عودته إلى رشده لن يحققها إلا اختفاء الجيوش، ومن ثم لا تتحمل الزوجات والأطفال معاناة الفراق والحرمان من حاجاتها المختلفة وليس الجنس فحسب الذي يأتي عند الكثيرين في مرتبة أدنى بعد الحب والألفة والأمان وغيرها من المشاعر، فالحب الجسدي والوجداني لا ينفصلان، وإنما الأجساد المريضة فقط هي التي تتلاقى بلا مشاعر تجمعها معًا.

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى