مصر
أخر الأخبار

من سد النهضة لدير السلطان.. استفزازات إثيوبية لا تتوقف!

كتب – محمود أنور:

مع تزايد حدة التوتر بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى بسبب سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد حصة دولتي المصب التاريخية من مياه النيل بسبب التعنت الإثيوبي ورفض أي اتفاق قانوني ملزم تطالب به دولتا المصب لملء وتشغيل السد في تصرف يهدد المنطقة بعدم الاستقرار، وهو تعنت غريب خصوصا إن دولتي المصب لا تمانعان من إقامة السد الذي تبنيه إثيوبيا لتوليد الكهرباء والتنمية وفق ما تعلنه رسميا شرط ألا يؤثر على حصة كل من مصر والسودان خصوصا أن الأولى تعاني من الفقر المائي بالفعل وتعتمد على النيل كلية في مواردها ومعيشتها. يبرز على ساحة الأحداث نزاع جديد بين مصر وإثيوبيا ولكن هذه المرة في الأراضي المقدسة، حيث اندلع النزاع حول دير السلطان الأثري المملوك تاريخيا للكنيسة المصرية للأقباط الأرثوذكس داخل أسوار مدينة القدس والملاصق لكنيسة القيامة. عقب قيام رهبان إثيوبيين بنصب خيمة داخل ساحة الدير ووضع العلم الإثيوبي عليها احتفالا بعيد القيامة وفقا لما صرحوا به. الأمر الذي استفز الرهبان المصريين في الدير فقاموا بإزالة الخيمة لينشب الصراع بقيام الرهبان الإثيوبيين بالهجوم على الرهبان المصريين وسط تدخل أفراد الشرطة وإبلاغ الكنيسة المصرية بما حدث.

نزاع قديم

النزاع على الدير ليس بالأمر الجديد ولكن تجدد النزاع الآن وسط كل أجواء التوتر بين مصر وإثيوبيا هو الأمر غير العادي، ويبدو أن ساسة إثيوبيا ليسوا وحدهم من يتبعون سياسة كسب الوقت والتصريحات الاستفزازية بين الحين والآخر فمثلما يتعاملون بكل صلف مع نهر النيل كأنه ملكية خاصة بهم وليس نهرا دوليا وهبه الخالق للبشر الذين يعيشون على ضفافه وأقاموا عليه حضارتهم وأهمها على الإطلاق الحضارة المصرية القديمة، فها هم رجال دينها يتبعون السياسة نفسها ويسعون للاستيلاء على الدير المصري بفلسطين بالرغم من أن كل الوثائق تثبت ملكية الدير للكنيسة المصرية ورغم رفع مئات الدعاوى أمام المحاكم الإسرائيلية والحصول على حكم بأحقية الكنيسة المصرية في الدير لكن لا تزال السلطات الإسرائيلية ترفض تنفيذ الحكم وتحول الأمر إلى مسار سياسي، ويتصاعد النزاع مع أية محاولات لترميم الدير دون موافقة الكنيسة القبطية المالكة للدير.

أهمية الدير

دير السلطان هو دير مصري يقع مجاور لكنيسة القديسة هيلانة وكنيسة الملاك ميخائيل والممر الموصل من كنيسة هيلانة إلى سور كنيسة القيامة وبالتالي فهو جزء من كنيسة القيامة لهذا ترجع أهميته الكبيرة. وقد استضاف الرهبان المصريين رهبانا إثيوبيين لمدة تزيد على ثلاثة قرون، وعقب نكسة ١٩٦٧ طردت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الرهبان الأقباط وسلموه للإثيوبيين، ولكن الكنيسة المصرية لم تترك الدير وحصلت على حكم محكمة بأحقيتها فيه ولكن لم ينفذ حتى الآن من السلطات الإسرائيلية.

قرارات منع السفر للقدس

نتيجة رفض تسليم الدير للكنيسة المصرية قرر المجمع المقدس في الثمانينيات عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسميًا لدير السلطان، ورغم ذلك استضافت الكنيسة الرهبان الأحباش بالدير وتعايشوا مع الرهبان المصريين بحكم المحبة وتبعية كنيسة إثيوبيا للكنيسة المصرية باعتبارهم جميعا أبناء الكنيسة القبطية ويصلون بعد قيام الراهب القبطي ببداية الصلاة وذلك منذ اتفاقية الإستاتيكو في ألمانيا عام ١٨٧٣ للحفاظ على وضع الدير ورغم ذلك سعى الإثيوبيين للاستيلاء على الدير خصوصا مع السلطات الاستعمارية وصولا للاحتلال الإسرائيلي، ويزداد هذا الأمر مع زيادة عددهم في الدير حيث بدأوا يتعاملون على أنه ملكهم ثم تجددت أزمة منذ سنتين للتصريح لهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بترميمات في الدير إلا أن الرهبان المصريين اعترضوا وتعرضوا للمضايقات في ظل تواطئ سلطات الاحتلال وحينها تدخلت الكنيسة والسفارة والخارجية المصرية لوقف هذه الممارسات.

بيان الكنيسة في ٢٠١٨

أصدر المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانا في نوفمبر ٢٠١٨ عقب أحداث دير السلطان وأزمة أعمال الترميم به، أكد البيان أن دير السلطان القبطي هو أحد أديرة الكنيسة القبطية خارج مصر ومباني الدير ومشتملاته ومكوناته تدل على هويته القبطية شأنه شأن جميع الأديرة القبطية وهو جزء من ممتلكات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة ولم يخل الدير إطلاقا يوما من الأيام من الرهبان الأقباط المصريين حتى الآن وبالرغم من المحاولات المتكررة للاستيلاء على الدير لمئات السنين استطاعت الكنيسة القبطية الاحتفاظ بالدير وفي كل مرة كان يصدر الحكم في صالح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية باستلام الدير بكل مشتملاته حتى حكمت محكمة العدل الإسرائيلية في عام ١٩٧١ وهي أعلى سلطة قضائية في إسرائيل لصالح الكنيسة القبطية لما لديها من مستندات تثبت ملكيتها وحيازتها للدير كوضع قانوني دائم في الأراضي المقدسة ولكن للأسف رفضت السلطة الحاكمة تنفيذ قرار المحكمة وهنا نؤكد أن دير السلطان كان وسيظل أحد ثوابت مقدسات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة ولكل مصري في العالم.
ونأى بيان الكنيسة المصرية الرد على بيان الكنيسة الإثيوبية بخصوص الدير وما جاء فيه من اتهامات ظالمة ومغالطات تاريخية بخصوص ملكية وحيازة الكنيسة الإثيوبية لدير السلطان، موجهة الشكر للحكومة المصرية بكل أجهزتها في الحفاظ على الهوية القبطية لدير السلطان والذي جاء حكم المحكمة الإسرائيلية في ٢٠١٨ بخصوص أعمال الترميم بأن تكون تحت إشراف مهندس معين من قبل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

الدير والسياسة الدولية

دير السلطان دير مصري بني في القرن الحادي عشر الميلادي على يد الوالي المصري منصور التلباني، وبعد فتح القدس أهداه السلطان صلاح الدين الأيوبي للكنيسة القبطية تقديرا لدورها الوطني فتسمى بدير السلطان، استضاف الرهبان الأقباط رهبانا إثيوبيين عجزوا عن دفع الضرائب لقرون عديدة، وهؤلاء الإثيوبيين كانوا متواجدين بكنيسة القيامة، ولهم نصيب في جزء داخلها، ونظرًا لعدم قدرتهم على سداد الضريبة المحددة من الباب العالي الدولة العثمانية، طردوا عام ١٦٨٦ ميلادية، ولم يقبل مطران الأقباط الأرثوذكس حينها تشريد رهبان الأحباش، فاستضافهم في دير السلطان، وعلى فترات متكررة حاول الإثيوبيين الاستيلاء على الدير وقد استخدم الدير كورقة سياسية من قبل سلطات الاستعمار خصوصا الإنجليز والطليان الذين أرادوا التقرب من الإثيوبيين الذين بلا مكان في القدس، فشجع الإنجليز الإثيوبيين على الاستيلاء على الدير والتوسط لدى الباب العالي الدولة العثمانية لكنهم فشلوا خصوصا مع امتلاك الكنيسة القبطية كل الوثائق التي تثبت أحقيتها في الدير، ومع المتغيرات السياسية في المنطقة كان النزاع على الدير يتزايد وخصوصا بعد ١٩٦٧ وأكدت الكنيسة القبطية أنه ورغم محاولات الاستيلاء على الدير لمئات السنين لكن الكنيسة القبطية نجحت في الحفاظ عليه وفيما يبدو تجدد النزاع حاليا يرتبط بشكل أو بآخر بالنزاع حول مياه النيل والقرائن التي تشير للمساعدات الإسرائيلية لإثيوبيا في هذا الملف الذي يمثل حياة أو موت بالنسبة لمصر والسودان.

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى