كتب – بيجاد سلامة
فى كتاب «خبايا القاهرة» جاء ذكر كازينو بديعة بصفته علمًا من أعلام الرقص فى مصر حيث أورد المؤلف فى كتابه: «لعل من أشهر الملاهى الوطنية التى شهدتها القاهرة ولاتزال تشهد بعضها إلى اليوم ملهى بديعة مصابنى تلك المرأة الحازمة المغامرة الطويلة الأنف التى تزوجت يومًا من نجيب الريحانى والتى كانت تنتقى نساء صالتها للترويح واصطياد الدراهم فقد عرفت صالتها حكمت فهمى، السمراء الداهية المغامرة التى لفتت إليها القيادة البريطانية إبان حرب عام 1939م، وعرفت تحية كاريوكا البضة اللدنة، الثعبانية الرقصة، والتى تهافتت عليها السينما وأعجب بها بعض الأمريكان فتزوجها.
وعرفت بديعة مصابنى بببا إبراهيم، التى لاتزال تهز بطنها البرونزى وتضحك بفمها الواسع، وتستروح بأنفها المصرى القديم روائح النفع والاستهواء وعرفت ببا عزالدين التى تخرجت فى هذه الصالة فقامت تنافسها وتطغى عليها حتى ورثتها ثم ماتت بعد ذلك قتيلة فى حادث من حوادث الطيش، وعرفت فتحية محمود البدينة السمراء المنولوجست والتى تخرجت فيها أيضًا وأصبحت صاحبة صالة تديرها وتشرف عليها خلف سينما ستوديو مصر فى شارع قنطرة العشرين.
ولدت «وديعة» فى حلب بسوريا فى 12 نوفمبر 1892م، بملامح بريئة جمعت بين الجينات اللبنانية والسورية، مما جعل الجميع يطلق عليها لقب «بديعة» بدلًا من «وديعة».
كانت عائلتها ميسورة الحال، حيث امتلك والدها مصنعًا للصابون ولكن الحال لم يدم طويلًا هكذا، إذ احترق المصنع وتوفى والدها حزنًا عليه وفى ليلة العزاء سرقت مجوهرات والدتها فأصبحت بذلك العائلة دون سند مادى أو معنوى يحميهما من غدر الأيام.
قد تشكل تلك الظروف مأساة ولكن المأساة الأكبر، هو تعرض بديعة لحادث اغتصاب وهى فى السابعة من عمرها على يد صاحب الخمارة التى يعمل بها شقيقها توفيق، وحكم على هذا الوحش بالسجن عام واحد وغرامة 200 ليرة ذهبية.
بعدها أبحرت العائلة إلى أمريكا الجنوبية، بعدما رهنوا المنزل وتدبروا تكاليف السفر وأجرة الباخرة، وهناك التحقت بديعة بمدرسة داخلية تعلمت فيها الإسبانية وفنون التمثيل بعدما اكتشفت الراهبات موهبتها فى الغناء والتمثيل والرقص.
وفى عام 1910م، قررت بديعة مصابنى الذهاب إلى القاهرة وهى فى عمر التاسعة عشر، وبمجرد وصولها طافت شوارع القاهرة إلى أن وصلت إلى حديقة الأزبكية وجلست فى الحديقة تفكر ماذا تفعل؟، ولم تدم الحيرة طويلًا لأنها علمت أن بلدياتها جورج أبيض قد شغفه حب المسرح وكون فرقة مسرحية.
وبالفعل ذهبت إليه وقدمت معه بعض الأدوار ثم انضمت بعد ذلك إلى فرقة عزيز عيد وأخيرًا فرقة أحمد الشامى والتى صعد فيها نجمها بسرعة كبيرة وتم إسناد البطولة لها فى مسرحية “ابن الحارة” وبعدها أصبحت بطلة الفرقة ومن تلك اللحظة أحست بديعة بضرورة العودة إلى بلدها ليرى كل من تحدث عنها أثناء محنتها كيف أصبحت نجمة لامعة.
وبالفعل تسابق الجميع ليخطبوا ودها ولكنها سرعان ما عادت إلى القاهرة لإكمال حلمها الذى تحقق بعد عناء وتعب طويل.
وفى عام 1929م أسست بديعة مصابنى «كازينو بديعة»، فى ميدان الأوبرا، على بعد خطوات من دار الأوبرا الملكية التى أنشأها الخديوى إسماعيل عام 1869م، وكان مقصدًا للملك فاروق وجميع حاشيته، وأيضًا كان يتجمع فيه كبار الضباط الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية حيث كان مقر قيادتهم بفندق الكونتنتال بميدان الأوبرا على بعد خطوات من الكازينو، فى الصيف أيضًا كانت بديعة تنتقل بنشاطها إلى كازينو آخر حمل اسمها “كازينو وكباريه بديعة الصيفى” على نيل الجيزة – موقع فندق الشيراتون حاليًا-، ومن الطريف أن وقتها كانت الحركة الوطنية المصرية كانت فى أوجها ورفضت تسمية الكوبرى الذى كان يقابل الكازينو بكوبرى الإنجليز بعد أن كان اسمه كوبرى الأعمى سابقًا، وفضلوا أن يطلقوا عليه كوبرى بديعة، واحتفظ بذلك الاسم حتى عام 1952م، حيث أطلق عليه كوبرى الجلاء بعد ثورة 23 يوليو.
وفى عام 1936م أسست بديعة مصابنى شركة «أفلام بديعة للإنتاج السينمائى»، وأنتجت فيلم «ملكة المسارح» والذى قامت ببطولته مع مجموعة من الفنانين لكنه لم ينجح وفشل.. ولأن بديعة كانت قد أخدت المال من البنك فقد حجزت الضرائب على ممتلكاتها فأغلقت الشركة ولم تكمل مشوارها فى الإنتاج السينمائى وبقيت فى المسرح مع فرقة نجيب الريحانى.
وفى عام 1949م، طلبت مصلحة الضرائب من بديعة الضرائب على مكاسبها طوال فترة عملها بمصر وقررت وقتها الهروب بممتلكاتها إلى بلدها لبنان من خلال صديقها الإنجليزى الذى اصطحبها على طائرة خاصة إلى لبنان، ولم تعد بديعة للفن مرة ثانية.
قررت عمل محل للألبان والأجبان فى مدينة «شتورة»، وظلت تدير هذا المكان 24 عامًا، إلى أن لاقت ربها فى 23 يوليو 1974م عن عمر يناهز الـ”86″ عامًا، وقبل أن تموت وقعت على الدرج ودخلت مستشفى “تل شيحا” فى زحلة.
أعمالها الفنية
«ابن الشعب، ملكة المسارح، الحل الأخير، ليالى القاهرة، فتاة متمردة، أم السعد، الليالى الملاح، كافيار وعدس، ريا وسكينة، أنا وأنت، مراتى فى الجهادية، المراكز دى برابولا، الليالى الملاح، الشاطر حسن، أيام العز، الفلوس، مجلس الأنس، البرنسيسة»
أغانيها
«جوزنى يا بابا، الغيرة يا نارالغيرة، الشارلستون، فى الظلمة، القطن، بس بس نو، الغيرة نار، البدر طلع غنوله، الحظ، المستشفى، خدو بالكم من قولى، غنى يا بلابل، يا أهل القانون، ياما سهرت ليالى عليك، هاتلى شمعة تنورلى، من إلى كبس طربوشه، بريه من الأفندى، تقل وبغدده»