تعليم وجامعاتمنوعات

أيمن عبداللطيف الكرفى يكتب: التعليم الفنى الحل للضغوط المادية والبطالة الشبابية

قلم صدق

يمثل التعليم الفنى فى أى من دول العالم المصدر الرئيسى لإمداد سوق العمل بالعمالة الفنية المدربة حِرفيًا، حيث تلعب هذه العمالة الفنية الدور الأهم فى تنمية البلاد، وإحداث طفرة صناعية بها، ومما لا شك فيه أن هذا النوع (الدبلوم، بدون التاء المربوطة) من التعليم له أهمية كبرى فى معظم الدول الصناعية المتقدمة، ولا سيما دولًا مثل ألمانيا «بلد الماكينات»..!

ولمّا لألمانيا من مكانة بين الدول الصناعية الكبري آثرت أن أتخذها نموذجًا لكي أتحدث عن نظامها اختصارًا، وكيف يقدسون هناك هذا النوع من التعليم، وبه احتلوا مصاف الدول الصناعية. فـ(الطفل) الألمانى ما أن يصل لمنتصف السنة الرابعة الابتدائية حتى يحدد مستوي أدائه والاتجاه الذى سوف يسلكه بعد ذلك طوال حياته، وبهذا يكرث عمره فى مهنة يتقنها ويتشربها، وذلك بنظام يسمى توصية بالصلاحيات الثلاث، أى توصية بالصلاحية لمستوى أول وهم الأكثر تفوقًا، ثم هناك التوصية بأنه يصلح للمستوى الثاني بدخول المدارس الفنية، والتوصية الثالثة بدخول المدارس التي تخرج قوي الأيدي العاملة من الفنيين فى مجالات مختلفة، وبهذا يكون القطاع الأغلب من الشباب متخرجًا من المدارس الفنية.
كما أن هناك قوانين وبنية تحتية مجهزة تربط بين هذه المدارس النظرية والمصانع العملية العاملة بالدولة، وهو ما يعرف بـ«نظام التعليم الألمانى المزدوج»، هذا النظام الذي يلزم الشركات الصناعية والخدمية بتوفير أماكن للتدريب لهؤلاء الطلبة حتى يمكن لهم أن يحتكوا بالحياة الحقيقية ويتعرفوا مبكرًا على طبيعة الأعمال التى ينتظر منهم القيام بها عقب انتهاء الدراسة، فهل هذا حاصل بمصر؟ وبهذا يخرج مهنيين يوصفون بالأداء المتميز للصناعة الألمانية عامة ويعود فى سبب وجوده إلى هذا النظام التعليمي الفريد بين كل الدول الصناعية، حيث لا يستطيع أى شخص أن يعمل في أى مهنة أو صنعة بدون تدريب أو شهادة مهنية ومسوغ قانونى كقانون ممارسة المهن الفنية ولوائح الإدارة بألمانيا، وهذا بالطبع لا يحدث فى مصر، فكله بـ«العافية» و«الفهلوة».
إذًا فبالمقارنة نجد أن مشكلة التعليم الفنى في مصر تنحصر من وجهة نظرى بين أمرين، مشكلة فنية، وأخرى اجتماعية، فالأولى الفنية تظهر فى مناهج الدراسة والهيكل التعليمى ومناخه ضمن منظومة التعليم بصفة عامة، وفي البنية التحتية المعدة والمهيأة للربط بين التعليم النظري المتمثل بالمدارس الأولية، وبين المصانع والشركات وأماكن التدريب المهيئة لاستقبال هذا الكم من الدارسين، مع إعطاء أجر رمزي للمتدربين ما يخفف الأعباء عن كاهل الأسرة المصرية، ويحد من البطالة.
عدم استغلال الفئة العمرية بما يعتبر ميزة في مصر فيطلقون عليها بلدًا فتيًا، حيث يقدر عدد الشباب بحوالى 26.5 مليون نسمة، كما أن نسبة الشباب في الفئة العمرية (15-29) سنة تمثل 26.9% (الجهاز المركزي للإحصاء ٢٠٢١).
تفعيل نظام التلمذة الصناعية بالشكل الأمثل، وتعميمها علي جميع أنواع الدبلومات الفنية.
تفعيل اتفاقية «مشروع مبارك كول» بين مصر وألمانيا التي وقعت في عهد مبارك في التسعينيات للاستفادة من التجربة الألمانية في التعليم الفني.
تطوير التعليم الفني بشكل مستمر عن طريق مهن جديدة وفقًا لما يتطلبه سوق العمل كمجال تكنولوجيا المعلومات وغيرها من المهن المستحدثة فى السوق.. ولا نغفل خريجى الكليات كذلك من هذا الربط العملى.
إلغاء هالة الثانوية العامة ونظام التنسيق الذى كان سببًا في اختصار التعليم كله في الدخول للثانوية العامة.
والمشكلة الثانية وهي الاجتماعية وتتمثل فى النظرة المتدنية التى تلاحق خريجى المدارس الفنية، ومن أسف أن نري الموروث الشعبى والعنجهية السلبية عندنا تحارب وتقتل هذا النوع من التعليم.. نعم تحارب وتقتل.. ألم ترفض أنت فلان الفلاني عريسًا لابنتك أو أختك (الجامعية) بسبب المسمى العلمى له (دبلوم مهنى)؟.. في حين تفتخر بابنك أو أخيك لأنه حصل على شهادة كذا أو كذا ويُحضِّر «دبلومة بالتاء المربوطة» فى كذا أو كذا؟.. ألم تعلم بأن ما تتباهى به أنت يعزف عنه شباب كشباب ألمانيا المتقدمة؟.. نعم فلا عجب.. فهناك إحصائية ألمانية تقول إن أكثر من 80% من الشباب الألمانى يسلكون طريق التعليم المهنى فى المدارس والمعاهد المتوسطة، فى حين لا يلتحق أكثر من 15% منهم بالجامعات.
هنا يجب أن نغير الصورة الذهنية عن الدبلومات لدي المجتمع، وتسليط الضوء علي التعليم الفني والتدريب المهنى من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ونشر الوعى بأهميته، عبر إقامة المؤتمرات والندوات وحملات التوعية، وتناوله عبر الدراما والسينما مواقع التواصل الاجتماعي لتأثيرها علي فئة كبيرة من الشباب، وإعطائه الفرص الأكبر في التعيينات، وتغيير مفهوم كليات القمة ووصم الدونية بغيرها.
كما أنه يجب أن نستدعي الذاكرة لشخصية هذا الفتى المسمي مُحمد حسن والملقب بـ(النمر الأسود)، وكيف أصبح بعد امتلاكه كبرى الشركات بالسويد، والتي جسدها الفنان أحمد زكي بإتقان، هذا الفني الذي سافر لألمانيا بعد الحرب العالمية، وإعلانها عن احتياجها لسواعد فنييها لوضع اللبنة الأولى في ثورتها الصناعية، التي غزت بها العالم حتى أصبحت الثالثة على مستوى العالم بعد الصين وأمريكا، ولولا وجود شراكات بين الشركات الألمانية والصينية والأمريكية على أرض الصين وأمريكا لكانت صادرات ألمانيا هي الأولى عالميًا، ليس فقط من حيث الحجم، لكن من حيث التميز والجودة.
أخيرا: وليس بعد ذلك إلا أن تعرف أننا بلد تقفيل المواتير لا تصنيعها.. تقفيل السيارات لا تصديرها.. تجميع حتى التكاتك لا تصنيعها.. وهنا يجب أن تقف برهة عند المقولة الشهيرة لدينا فى مصر: «إننا صحيح بلد شهادات». ومن عندى «وألمانيا بلد اليد العاملة والماكينات».

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى