منوعات

أيمن عبداللطيف الكرفى: مشاهد من رحلتى لبيت الله الحرام

قلم صدق..

حزمت حقائبى، لملمت أوراقى.. بعد أن قبِل الله رجائى وأجاب دعائى.. فى زيارة بيت رب العبادِ.. ولبست الأبيض من الثيابِ، مودعًا أبى وأمى وزوجتى وأصحابى.. ومولودًا لى خرج توًّا من حضّانة الأطفالِ.. تذكرت حينها إسماعيل لما ترك مولوده في الصحراء.. فالآن أنا مستعد بين يدى ربى، مجيبًا أذان إبراهيم فى الصحراء للعبادِ.

وصلت مكة وزادت لهفتى شوقًا لرؤية الكعبة والبيت الحرامِ.. بعد أن تاهت حافلة الركاب بين شوارع مكة بحثًا عنهما مما زاد اشتياقى.

«الله أكبر.. الله أكبر، اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وامحُ كبريائى».. هكذا رددت بتلقائية بعد أن رأيت الكعبةَ بقلبى وعينى وأحشائى.. دموع تسيل من عين مغمضة ببكائى.. وقشعريرة تسرى فى جسدى، تجمد جلد وجهى، ويقف معها شعر رأسى وذراعى وساقى، إحساس أكبر من أن يصفه كبار الوصاف من الكتابِ، أمثال نجيب محفوظ وخيرى شلبى، والعقادِ.

تعلمت كثيراً من الأمور من كل منسك وموضع من الأركان، سار عليه النبى، ورفعه إسماعيل وإبراهيم وغالب الأنبياءِ.

تعلمت النظام فى رحلتى من ترتيب المناسك والوقوف بمزدلفة فى انتظار النفير فى الميعادِ.. والصبر عرفته من الطواف والسعى ورحلة الحجيج لرمى الجمراتِ.. والتواضع والمساواة من ثياب موحد لا فيه خيلاء ولا كبرياءِ.. تعلمت فى رحلتى حسن المعاشرة وطيب الكلامِ.. خوفاً من ضياع الأجر، وحبا فى الامتثالِ.. بقول الله (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج) هكذا جاء فى القرآنِ.

تعلمت فى رحلتى الاستسلام والخضوع لأمر اللهِ.. فعلها إسماعيل لأبيه فى المنامِ.. فحذوت حذوه فتركت رضيعى فى حرج لأحج غير مبالى. ‏ تعلمت فى رحلتى الخشوع فى سائر الأعمالِ.. بشروعى فى المناسك وتعلقى بالبيت الحرامِ.. ناسيًا زوجتى وأهلى وأولادى.. وصدّقت من قال خاشعًا فى الأثر (اقطعوا قدمى إذا دخلت فى الصلاةِ).‏

تعلمت فى رحلتى حب الناس فى اللهِ.. اقتداء برفض النبى فى رحلته الماء المبرد المحبوس له من الأصحابِ.. تاركاً الباقى بدون ماءِ.

تعلمت فى رحلتى كيف تعانى الأم من أجل الأبناءِ.. فقد تذكرت سارةَ الوادى، تروح وتغدو فى طلب الماءِ.. قائلة يا بئر زمى زمى.

تعلمت فى رحلتى حسن الخلق والبر من طاعة إسماعيل لأبيه فى مشهد غاية الإعجابِ.

‏تعلمت فى رحلتى التوحيد وعدم طلب المدد من غير الواهب العاطى.. برؤيتى الحجيج رافعى اليد طلبًا فى الرحمة وعطاء من العاطى.

تعلمت فى رحلتى أن الناس سواء فى البلاءِ.. من دعاءات الحجيج، هذا طالب مالى، وذاك بدون عيالى، وآخر يشكو دائى، ورابع من زوجة لا تبالى.. تعب كلها الحياة و(لقد خلقنا الإنسان فى كبد) أكدها ربي بـ«لقد» في القرآنِ.

‏تعلمت فى رحلتى أن الدين لا يخضع للعقل، وإلا ما قَبَّل هؤلاء الحجيج الحجر الأسود، ولا طافوا حول البيتِ الحرامِ. ‏

تعلمت فى رحلتى أن التقوى منتهى الإكرام، «إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم» عندما وجدت الأسود والأجنبى قمة فى الخشوعِ.

‏فاسعوا وارجوا زيارة البيت الحرامِ.. فالمال والولد والسعادة لا تكون إلا فى جنة الرحمن.

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى