قال الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن المنصفين من العلماء والمفكرين أشادوا بفضل الحضارة الإسلامية، وأقروا بها لما لها من أثر خالد في حضارة أوروبا، بل والعالم أجمع، بما يجعل العالم المعاصر مدينا لهذه الحضارة العريقة، موضحا أن هذا المؤتمر ينعقد حول علم من أعلام الحضارة الإسلامية، وفيلسوف من فلاسفة الإسلام، نظرا لقدره ومكانته التي توجب علينا أن نقف إجلالا أمام سيرته، وسير العظماء الذين شكلوا التاريخ، ووضعوا أسس الحضارات، وشيدوا بناءها، ونذروا أنفسهم لأجل أهداف عليا آمنوا بها، وقيم مثلى عملوا لها، وأهداف نبيلة سعوا إليها.
وأوضح فضيلته خلال كلمته بمؤتمر «إسهامات الفارابي في إثراء الحضارة الإنسانية»- أن التاريخ يزخر بأمثال هؤلاء العباقرة المبدعين، الذين كانوا لآلئ لأممهم، ودررا نفيسة لأوطانهم، وقناديل أضاءت مجتمعاتهم، وأن أقل واجب علينا تجاههم أن نكرمهم، مشيرا إلى أن التكريم الحقيقي لهؤلاء العلماء يكون بإحياء مآثرهم، والاقتداء بهم، والسير على مناهجهم، ورعاية ما وضعوه من بذور العلم، بما يبقيهم أحياء في عقول الناس وقلوبهم يهدونهم من ظلمات الجهل والهوى.
وأكد وكيل الأزهر أن هذا المؤتمر يعد اعترافا من الأزهر الشريف بالفضل لأهل العلم الذين أناروا دروب البشرية بما قدموه من آثار، ليبرز للإنسانية جمعاء -وللمسلمين بشكل خاص- رموز الحضارة الإسلامية وأعلامها، وحقيقة عزها، وباب مجدها، ومصدر وجودها، موضحا أن الأزهر يهدف من خلال هذا المؤتمر إلى تعريف الأجيال بعلم من أعلام الأمة الذين شبوا وترعرعوا في أحضان الثقافة الإسلامية، ولم تمنعهم نشأتهم، ولا ثقافتهم الإقبال على الآخر أو التعامل معه، فضلا عن بيان فضل الثقافة الإسلامية ودورها في تشييد بناء الحضارة الإنسانية، وتأكيدا على أهمية التعاون بين المؤسسات الدينية والعلمية والسياسية، المحلية منها والعالمية؛ للكشف عن الكنوز العلمية الحضارية، وبيان دور باعثيها؛ لتصحيح الأخطاء المتعلقة بحضارتنا من جهة، وتأكيدا على التلاقي الفكري، والتعاون المعرفي، والتواصل العلمي المستمر بين الحضارات المختلفة والثقافات المتعددة، وهو ما يؤصل لحوار ثقافي وفكري متميز ومستنير.
وأشار وكيل الأزهر إلى أن الفارابي ترك ذخيرة علمية مهمة شكلت كثيرا من آراء الفلاسفة المسلمين الذين جاءوا من بعده، بل وغير المسلمين، وما زالت بصمات الفارابي في العلوم العقلية والفلسفة الإسلامية باقية حتى اليوم، ويشهد بهذا القاصي والداني من مسلمين وغير مسلمين، موضحا أن هذا المؤتمر سيبقى خطوة واحدة ينبغي أن تعقبها خطوات لإظهار ما تناوله هذا العالم الفذ بشكل تفصيلي ودقيق من علاقة واجبة بين العقل والوحي، وبين الحكمة والشريعة، وبين الدين والفلسفة.
ويستمر المؤتمر، الذي ينظمه مجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع سفارة دولة كازاخستان، على مدار يومين بمشيخة الأزهر، بمشاركة شخصيات دولية، عبر تقنية «فيديو كونفرانس»، و ذلك في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، واهتمامه بالرموز العلمية والفكرية للأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل وعلى امتداد رقعتها الجغرافية، وتعدد أعراقها التي يجمع بينها الإسلام.