
في ذاكرة البطولات المصرية، أسماء كثيرة لم تُروَ كما تستحق. أحد هذه الأسماء هو الشهيد المقدم يوسف عباس محمد سليمان، مأمور سجن أبو زعبل عام 1956، الذي كتب نهاية بطولية خلال أيام العدوان الثلاثي على مصر، بعدما آثر حياة الآخرين على حياته، فصار رمزًا نادرًا للشجاعة والإخلاص في الواجب.
🔹 القصة من البداية
في الأول من نوفمبر عام 1956، كانت مصر تواجه العدوان الثلاثي الذي شنّته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
القصف الجوي استهدف مواقع حيوية في القاهرة وضواحيها، من بينها محطة الإرسال الإذاعي في أبو زعبل، والتي أصيبت وتوقفت الإذاعة المصرية عن البث.
لكن القصف لم يتوقف عند ذلك — إذ امتد ليصيب سجن أبو زعبل المجاور، حيث كان المقدم يوسف عباس يؤدي عمله مأمورًا للسجن.
🔹 لحظة الاختبار
بين أصوات الانفجارات وسقوط القذائف، كان أمام يوسف عباس خياران لا ثالث لهما: أن ينجو بحياته، أو أن يؤدي واجبه.
فاختار الطريق الأصعب والأشرف.
رفض مغادرة موقعه، وأصر على إخراج جميع المساجين أولًا، خوفًا من أن يلقوا حتفهم داخل الزنازين المحاصرة بالنيران.
خمس ساعاتٍ متواصلة من الفوضى والنيران، ظلّ الضابط الشجاع يقود عملية الإخلاء بنفسه، حتى أُصيب أثناء محاولته الأخيرة لإنقاذ آخر السجناء.
🔹 النهاية المشرّفة
نُقل المقدم يوسف عباس إلى المستشفى، لكنه كان قد أصيب إصابةً بالغة، ليلقى ربه شهيدًا في اليوم التالي، 2 نوفمبر 1956.
ترك خلفه زوجةً وطفلين، وترك قبل ذلك سيرةً طيبةً تتناقلها الأجيال.
ولتكريم تضحيته، أطلقت الدولة اسمه على أحد أهم الشوارع في مدينة نصر، ليبقى اسمه محفورًا في الذاكرة الوطنية، كما بقي دمه شاهدًا على أمانة رجال الشرطة في أحلك اللحظات.
🔹 دلالة القصة
قصة يوسف عباس ليست مجرد حكاية عن ضابط في سجن أثناء الحرب، بل مثال على ما تعنيه الوطنية الحقيقية: أن يختار الإنسان التضحية دون انتظار مكافأة.
وهو نموذج يجب أن يُروى للأجيال الجديدة، في وقتٍ تشتد فيه الحاجة إلى استحضار قيم الإخلاص والبطولة التي شكّلت عماد الدولة المصرية الحديثة.
 
 


