كتب: بيجاد سلامة
الكامل محمد.. هو الكامل ناصر الدين محمد بن العادل سيف الدين أحمد، لقب بـ”أبي المعالي”، وهو رابع السلاطين الأيوبيين الذين حكموا مصر.
ولد بمصر عام 1180م، ونشأ وتربى في كنف والده السلطان “العادل”، وعندما نجح العادل في توحيد الدولة الأيوبية من جديد، قام بإعادة تنظيم الدولة والاستعانة بأبنائه في إدارتها، فأناب ابنه الكامل محمد في حكم مصر، وجعل ابنه المعظم عيسى في دمشق، وأعطى الأشرف موسى حران، واحتفظ العادل لنفسه بالإشراف التام على جميع أنحاء دولته.
كان الكامل محمد في مصر، حينما جاءت الحملة الصليبية الخامسة بقيادة “حنا دي برين”، وهاجمت مدينة دمياط، وعندما علم الكامل بأخبار هذه الحملة تحرك على وجه السرعة لدفع خطرها، واتجه بجنده إلى مكان قريب، وعسكر جنوبي دمياط.
وكانت دمياط مدينة حصينة تحيط بها الأسوار والقلاع والأبراج، ويرتفع عند مدخل فرع دمياط النيلي برج مشحون بالجند لمنع سفن الأعداء من العبور في النيل والوصول إلى دمياط، إلا أن الصليبيين استطاعوا الاستيلاء عليها.
ولما علم الملك العادل في الشام بذلك الخبر، حتى مرض مرض الموت، وتوفي في أغسطس 1218م تاركا لأبنائه تركة ثقيلة.
وكان على ابنه الكامل طرد الصليبيين من الأراضي المصرية، كما كان على ابنه “المعظم”، الذي خلف أباه في دمشق، حراسة جبهة الشام. هذا فضلاً عن أنه كان على ملوك الشام جميعًا، من بني أيوب، مساعدة الكامل في مصر وتقديم العون السريع له.
وعقب وفاة الملك العادل أصبح السلطان الكامل ملك مصر الشرعي والفعلي
وقد حاول الكامل القيام بهجوم على المعسكر الصليبي في أوائل أكتوبر 1218م، فعبر نهر النيل وانقض عليهم، ولكنهم صمدوا في وجهه، وربما تغلبوا على مقدمة جيشه، مما اضطر الكامل إلى الانسحاب السريع. وزاد من موقف الكامل سوءًا أن البدو أتوا من سيناء والشرقية، ليستفيدوا من حالة الفوضى التي نجمت عن العزو الصليبي، فأغاروا على القرى ونهبوها، بالإضافة إلى تعرضه لمؤامرة ضده لخلعه من الحكم وتولية أخيه الصغير.
وساء الموقف في مصر، لولا وصول أخيه المعظم من الشام في الوقت المناسب، فأعاد الثقة إلى نفس أخيه الكامل، وقضى على المتآمرين، وأعاد تنظيم الجيش الإسلامي الذي رابط عند فارسكور جنوبي العادلية استعدادًا للقاء الحاسم، وفي الوقت نفسه ظل السلطان الكامل يكرر عرضه السخي للصليبيين بالجلاء عن مصر مقابل إعطائهم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية، وجميع ما فتحه صلاح الدين من مدن الساحل، مقابل الجلاء عن مصر، إلا أن الصليبيين رفضوا هذا العرض المتخاذل.
وقد واصل الصليبيون زحفهم جنوبًا حتى مدينة فارسكور، وكان وقت فيضان النيل السنوي، الذي يشتد في شهر أغسطس من كل عام، وعبرت قواته لكي تحاصر الصليبيين قرب “المنزلة”، وشاء الله أن يأتي فيضان النيل عارمًا، ففتحت الجسور، وأغرقت كل الطرق أمام الصليبيين، وعلى صفحة النهر كانت السفن الإسلامية تقطع خطوط الإمداد، وتحول دون اتصال الصليبيين بقاعدتهم في دمياط، وتستولي على عدد من سفن العدو، وتأْسِر بحارته.
ولم يكن أمام الصليبيين بعد أن فاجأتهم الكارثة، وأحيط بهم من كل مكان سوى الاستسلام دون قيد أو شرط، وتم جلاء الصليبين عن دمياط في 8 سبتمبر 1221م.
في 6 مارس 1238م، مرض السلطان الكامل بالسعال والإسهال أكثر من عشرين يوم، وكان في رجله نقرس، فمات وقد استمر في الملك عشرين عامًا.