سلايدرفنون

رمضان حسين: لا وجود للزئبق بالمومياوات ولا سلطان لجان في الاكتشافات الأثرية

كتب – محمود أنور

قال الدكتور رمضان حسين، أستاذ الآثار المصرية بجامعة توبنجن الألمانية ومدير مشروع مقابر العصر الصاوي بسقارة، إنه لا وجود للزئبق بالمومياوات المصرية؛ ولا سلطان لجان في الاكتشافات الأثرية.

وكتب “حسين” في تدوينة له عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بعنوان “المومياوات والزئبق وثنائية عالم الجن وعلم التشريح”:
في أواخر صيف عام 2018م، وعقب الإعلان عن اكتشاف ورشة تحنيط سقارة، وهو الأول من نوعه، هاتفني الدكتور بيتر نيكلز، نائب رئيس قسم التشريح في جامعة توبنجن. أخبرني باطلاعه في الصحف على الكشف ودعاني لإلقاء محاضرة عنه لأساتذة القسم وطلاب الدراسات العليا فيه. كانت تلك المحاضرة فرصة لأتعرف على منهجية علماء التشريح في دراسة التحنيط ومدى احتياج علمهم له. ففتحت لي آفاقا بحثية جديدة لفهم المٌحنط المصري القديم، ليس ككاهن ورجل أعمال فقط، بل وككيميائي وعالم تشريح أيضًا.

ماهية التحنيط وتاريخه
وحول مفهوم التحنيط ودراساته أضاف “حسين”: من بين ما قرأتُ في مكتبتهم عدة مقالات لعلماء تشريح عن ماهية التحنيط وتحديد المفاهيم المختلفة لعمليات حفظ الجسد بعد الوفاة. لكن استوقفتني دراسات عن تاريخه في فترة ما بعد الحضارات القديمة وبالأخص الحضارة المصرية. يُوصف التحنيط المصري القديم بأنه في جوهره عملية اعتمدت على تفريغ الاحشاء والأعضاء الرخوة ومعالجة الجسد بمستخلصات نباتية، إما زيوت أو أصماغ، مع لفها بقماش كتاني مُعَالج. وانتقلت هذه الطريقة لأوروبا مع إدخال تعديلات عليها في مطلع القرن السادس الميلادي. وورد وصف لها في كتابات بعض الأطباء، من بينهم بيتر فوريستوس (1522-1597) الذي اعتمدت طريقته على تفريغ الأحشاء ومعالجة التجويف البطني بغسله بماء بارد ومواد كحولية روحية كالبراندي مع حشوه بقطن مغموس بالكحول وبودرة من مواد عطرية كالصبار والمُر والروزماري (إكليل الجبل) وغيرهم. ثم غلق التجويف بالخياطة ولف الجسد بقماش مُعَالج بالشمع.

استخدام الزئبق للمرة الأولى
يوضح أستاذ الآثار المصرية متى استخدم الزئبق للمرة الأولى قائلا: ظل التحنيط بتفريغ الأحشاء والمعالجة بالمواد الروحية والنباتات العطرية هو السائد في العصور الوسطى إلى أن جاء عصر النهضة الأوربية ومعه نهضة طبية، احتاج خلالها الأطباء لحفظ الاجساد لدراستها تشريحيًا. فتحولت العملية من المعالجة بالغسل إلى حقن التجاويف الجسدية بمواد كيميائية حافظة. وسرعان ما تحول إلى الحقن الوريدي مع اكتشاف الدورة الدموية. وكان ليوناردو دافنشي من بين من استخدموا الحقن بمحلول اشتمل على زيت التربنتين والكافور واللافندر والخمر وصنوبريات ونترات الصوديوم ونترات البوتاسيوم وغيرهم. وعلى هذه المحاليل الحافظة ادخل راينر دي جراف (1641-1673) مادة الزئبق لأول مرة وحقن بها الأجساد، واستمر علماء التشريح في إضافة أوكسيد الزئبق وكلوريد الزئبق الثنائي إلى محاليل تحنيط تضم الزرنيخ والزنك وغيرهم خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إلى أن تراجع استخدامه لمصلحة الفورمالين الذي أضافه لأول مرة ألفريدو سالافيا (1869-1933) لمواد الحقن.

سيطرة الفورمالين وخطورته
وحول الفورمالين وأضراره قال: بالرغم من سيطرة الفورمالين على عملية حفظ الأجساد في المعاهد الطبية الأوربية منذ نهايات القرن التاسع عشر، ظلت مركبات الزئبق والزرنيخ والزنك المواد الأساسية في التحنيط داخل محال الحانوتية الأمريكية (funeral homes) أثناء الحرب الأهلية (1861-1864). إلا أن نهاية الفورمالين قد كُتبت، حيث سيتم إيقافه مع حلول عام 2025، فقد تبين أنه مادة مسرطنة؛ لذا على علماء التشريح إيجاد بدائل له.

واختتم “حسين” حديثه مشيرا إلى حداثة الزئبق: من هذا العرض يتبين أن استخدام الزئبق في محاليل التحنيط هو ممارسة حديثة ابتكرها علماء التشريح في العصور الحديثة، وليس المحنطون المصريّون القدماء؛ لذا فلا وجود للزئبق بالمومياوات المصرية؛ ولا سلطان لجان في الاكتشافات الأثرية.

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى