ثقافةرأيسلايدرفنون

الصلاة من أجل المسلوبين.. كل الطرق تؤدى إلى الموت

قراءة في أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الدورة 43 (7)

كتب – جمال المراغى

انقسم المجتمعون من أجل مناقشة مستقبل العالم الذي نعيش فيه، فالبعض منهم يرى أننا في عصر التكنولوجيا، بينما البقية يجده عصر الجريمة المنظمة بكل أشكالها التي ترابطت وتخدم بعضها البعض، وقد حسمت الممثلة “مايرا باتالا” نيابة عن “تاتيانا هويزو سانشيز”، مخرجة الفيلم، الأمر عندما كشفت عن أن عالم الجريمة المصغر الذي تعرضوا له خلال نحو ساعتين هو عن أحداث حقيقة تحدث في بعض مناطق بالمكسيك وتنتشر في ظل عجز النظام الذي يعرف ما يحدث ويعترف بعجزه؛ بدليل أن العرض الأول للفيلم كان في بيت رئيس الدولة التي تدفع ثمن جيرتها لأحد كبرى الدول التي تديرعالم الجريمة وهي بدورها ليست ببعيدة عن مهلكاته كما يظن أبناءها.

وظفت تاتيانا خبراتها الوثائقية في رصد كل تفصيلة لأحداث حقيقية وقعت بالفعل بإحدى القرى المكسيكية، واختارت قرية مشابهة محلًا للتصوير كونها أكثر أمنًا ويمكن إعادة بناء الاحداث فيها بكل دقة، وتخيرت عدد من بنات هذه القرية لمشاركتها في هذه الصرخة المكتومة، وتحملت مع بقية مجموعة العمل عبء تدريبهن، ولكنها جعلت اسم البلدة مجهولًا ليس بغرض الإخفاء، وإنما لأنها رصدت كذلك مئات غيرها في العالم تعاني من ظلم البشر لغيرهم واستغلالهم، ولا أحد يدافع عن حقوقهم، وعدد هذه الاماكن المنكوبة في ازدياد بمعدل سريع للغاية في ظل نمو جماعات العصابات الإجرامية المنظمة.

لقد حذر الخالق الإنسان من أن الشقاء الذي سيواجهه على الأرض حتمًا، ولكنه يزيد هذا الشقاء بسلوكياته الفوضاوية، ويكمن الخطر هنا في أن هذا الاتحاد وصل إلى اغتيال الطفولة جماعيًا، وبلا طفولة يعني مستقبلًا بلا أبوة أو أمومة يعني إغتيال المجتمع والعودة إلى الهمجية الأولى، وقد ركزت مخرجة فيلم “صلاة من أجل المسلوبين” على الفتيات اللاتي يولدن ضحايا لأخطار تواجههن من اتجاهات عدة بداية من الفقر ثم الاستهداف من قبل العصابات التي باتت تسيطر على البلدة وسط عجز النظام وقلة حيلته، عصابات تعمل في مختلف أنواع التجارات غير المشروعة من مخدرات وسلاح وغيره، ويمكن استخدام الفتيات في أمور عدة بداية من البغاء والرق ووصولًا لبيع الأعضاء وجميعها طرق تؤدي إلى الموت.

يأتي هذا بالتزامن مع سعي بعض الدول لوقف عمليات اللجوء التي تعد المنفذ الوحيد لهولاء، رغم أنه حل مؤقت لأن هذه العصابات ستتوسع حتى تسيطر على العالم، طالما أن البشر من خارج هذه العصابات وهم الأكثرية لا يتكاتف برمته لمواجهة هذا الخطر البشري المدمر، فلا ينبغي أن يقبل الالاف في أي مكان أن يستعبدوا من قبل بضع مئات، كما يجب على من لم يصبهم الدور بعد ألا ينتظروا، و أن يدافعوا عن حقوق هؤلاء الضحايا دفاعًا عن أنفسهم، وأن يسعى الجميع لإعادة الحياة إلى بساطتها قبل أن يعقدها الطامعين ومن نالت منهم شهوة التملك.

لقد حملت تاتيانا للعالم عبر فيلمها عدة رسائل اجتماعية أهمها أن الجفاء الذي يعززه السعي المرضي من أجل جني المال بلا حدود؛ جفاء يولد جفاء يؤدي إلى وحشية تفوق ما تحفل به الغابات، فحتى الغابة لها قوانينها الطبيعية التي يلتزم بها الجميع، بينما الوحشية البشرية ليس لها قواعد، وإذن فعلينا العمل على استعادة قيمة الإنسان الذي كرمه الخالق ورفع شأنه عن كل شيء على الأرض، وتعليظ عقوبة من يعتدي على غيره سواء كان أفراد أو جماعات أو دول، والقضاء على فكرة التضحية بالفرد من أجل الجماعة فكل فرد خلق ونزل على الأرض له قيمة وغاية أرسل من أجلها.

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى