كتب – بيجاد سلامة
حدث فى عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي في مصر أن وقعت العديد من الأحداث الجسام من أشهرها:
الشدة المستنصرية وهى من أسوأ المجاعات التى أجتاحت مصر عبر عصورها المختلفة واستمرت لمدة سبع سنوات فقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل، وانتشر الغلاء وجاعت الناس فأكلوا أحشاء البهائم ثم الكلاب والقطط، وبعد ذلك أكلوا الميتى والجيف حتى الحيوانات النافقة، كل ما كان يمتلكه الشعب من مجوهرات وعقارات ونقود أصبحت لا يساوي شىء لأن الطعام يبقي أساسيًا في هرم الإحتياجات البشرية.
وفي هذه الفترة كانت هناك حادثة شهيرة جدًا سميت “حادثة سرقة بغلة الوزير”، فقام ثلاثة أشخاص مساكين تمكن منهم الجوع بأكل بغلة الوزير فكان جزائهم الصلب والبشع في هذه الحادثة هو أن الناس إلتهمت أجسادهم بالكامل ولم يتبق إلا العظام.
ومن الحوادث الشهيرة أيضًا، أن سيدة من الأعيان باعت عقد ثمين في نظير شراء بعض الدقيق، فلم تستطع أن ترجع بيتها، أخدوا الدقيق ومن شدة جوعها تصارعت معهم حتى استطاعت الحصول علي ما يكفي لعمل رغيف خبز، ومن شدة غضبها وقفت علي مكان عالي وقالت: أدعوا لمولانا المستنصر الذي أسعد الناس في أيامه وأعاد عليهم بركات حسن نظره حتى أصبح الرغيف بألف دينار.
وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها، وتبعها الطاعون الذي أتي علي ثلث سكان مصر.
ثم:
صراعات الجنود المغاربة والأتراك والسود والمرتزقة، الذين عاثوا في الأرض فسادًا واحترفوا السلب والنهب وأشاعوا الفوضي في أرجاء البلاد، وكانت شوكتهم قد قويت حتي أن الخليفة نفسه لم يعد قادرًا عليهم.
لم يكن أمام الخليفة المستنصر بالله للخروج من هذه الأزمة العاتية سوى الاستعانة بقوة عسكرية قادرة على فرض النظام، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الدولة التي مزقتها الفتن وثورات الجند، فأتصل ببدر الجمالي والي “عكا”، وطلب منه القدوم لإصلاح حال البلاد، فأجابه بشرط ألا يأتي إلا ومعه رجاله، فوافق الخليفة على شرطه.
لبي بدر الجمالي نداء المستنصر ودخل القاهرة سرًا عام 1074م، ومعه جنده من الأرمن ونزل هو في أحد البيوت في حارة يرجوان بجوار مسجد الحاكم بأمر الله في الجمالية ونزل جنوده في أنحاء متفرقة من القليوبية، ثم تسللوا في مجموعات صغيرة إلي داخل القاهرة حتي لا يشعر بهم أحد.
بدأ بدر الجمالي يعد خطة للقضاء علي رؤوس الفساد في البلاد، فأرسل إليهم مندوبين عنه برسائل فيها كثير من التظاهر بالود والتعاطف يدعوهم فيها إلي مساعدته في القضاء علي ما في البلاد من فساد ونهب وسلب.
ثم دعاهم لمأدبة كبيرة في الجمالية لتدعيم أواصر المحبة والتعاون، ثم عهد إلي كل قائد من قواده بقتل أحد أمراء الجنود من رؤوس الفساد من المغاربة والأتراك والمرتزقة.
قضي الأمراء الليل في غاية المرح والسرور وشربوا من الخمور ما أدار رؤوسهم وكلما استأذن احدهم لقضاء حاجته، ينقض عليه أحد قواد بدر الجمالي ويقتله و يقطع رأسه.
حتي إذا أشرقت شمس اليوم التالي، كانت ساحة البيت قد تكدست بجثث أجساد الأمراء، أما الرؤوس فقد جمعها بدر الجمالي في جوال وحملها إلي الخليفة المستنصر وهو يزف له الخبر الذي طالما أراد أن يسمعه و هو أن القاهرة قد تطهرت من كل رؤوس الفساد في ليلة واحدة.
قتل الجمالى من المصريين أعداد من الخلائق لا يحصيها إلا خالقها، إلا أنه نجح فى إعادة السيطرة للحكومة، وأعاد سلطة القانون للبلاد، وعاونه فى إنجاز هذه الأهداف ابنه «الأمير الأفضل» الذى كان رجلاً عسكرياً مثل أبيه.
فأنعم الخليفة عليه بوزارة مصر وسمي منذ ذلك الحين بالسيد الأجل، أمير الجيوش، سيف الإسلام، ناصر الإمام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة أمير المؤمنين أبوالنجم بدر المستنصري.
ويقول المؤرخون إن المصريين والخليفة «المستنصر» فرحوا أيما فرح بنجاح أمير الجيوش فى تحقيق مهمته.
ويقول ابن تغري بردي: تحكم بدر في مصر تحكم الملوك، وأصبحت خيوط السلطة كلها فى أصابعه.
وأدخل «الجمالى» العديد من الإصلاحات فى الجهاز الإدارى للدولة
وأعاد تقسيم البلاد إلى مجموعة من الولايات شملت قوص والشرقية والغربية والإسكندرية، بالإضافة إلى القاهرة والفسطاط، وهو الأمر الذى ساعد أمير الجيوش على إحكام سيطرته على البلاد من ناحية، وأدى إلى ضبط الأوضاع العامة.
عاش أمير الجيوش ثمانين عاماً، وشيئاً فشيئاً أخذ فى الانسحاب والاختفاء من المشهد بسبب المرض وكبر العمر، خصوصاً بعد إصابته بمرض الشلل ليتولى الأمر من بعده ولده «الأفضل»