كتب – محمود أنور
دراسة لضريح سيدي عبدالرحمن الثعالبي بالجزائر تهدف إلى فهم تصورات المريدين عن الولي
صدر حديثا عن سلسلة الثقافة الشعبية بالهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب “الولي في المعتقد الشعبي” للشاعر والباحث حامد أنور، ضمن إصدارات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال ٥٢.
الكتاب دراسة أنثروبولوجية نال بها الباحث درجة الماجستير في الدراسات الأفريقية قسم الأنثروبولوجيا بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، وتهدف إلى فهم تصورات المريدين عن الولي، وهل تتشابه مع التصورات الشعبية الأخرى في أي مجتمع عن الأولياء؟ بالإضافة إلى فهم الأسباب النفسية والروحية والاجتماعية والثقافية لزيارة الضريح وإجراء الطقوس والممارسات، ومدى اقتراب أو ابتعاد هذه الممارسات والمعتقدات عن السياق الديني العام، وتناول الباحث في دراسته ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي الذي يعد من أهم المعالم الدينية والروحانية في مدينة الجزائر العاصمة؛ حيث تتركز في دولة الجزائر معظم مقامات الصالحين والأضرحة التي تحظى بزيارات عديدة ومكثفة في مناطق القبائل، فلكل قرية أو بلدة أو مدينة ولِيها، يقام على ضريحه مقام أو قبة يزوره الناس.
عالم الأضرحة
عن الكتاب قال الباحث “حامد أنور” في تصريحات خاصة لـ“النيل24“: “انشغل الباحثون برصد عالم الأضرحة وما يكتنفه من خفايا تبدو في ظاهرها طقوسًا وممارسات عادية قد يتفق أو يختلف معها العامة والخاصة من أهل الثقافة والعلم، لكنها تكتنز بداخلها دلالات ورموز ومعتقدات تحتاج إلى دراسة وبحث لتحليل وتفسير هذه الظاهرة الضاربة في عمق الذات الإنسانية في المجتمع العربي بعامة، وفي دولة الجزائر على وجه الخصوص؛ حيث شكّلت زيارة الأضرحة، في تقدير بعض الأنثربولوجيين، متنفسًا وخروجًا عن العالم المادي إلى العالم الروحي، ممثلاً في رمز الولي الصالح، واعتبرت محاولة للهروب من الحياة الدنيوية إلى الخيال المقدس، كمـا أن هذه الظاهرة مثّلت تواصلا بين الماضي (الجميل) والحاضر (المفزع) عند استذكار فضائل وكرامات أصحاب الأضرحة، وفي ذلك أيضــًا استحضار لذكرى الأجداد والأولين واستلهام لبطولاتهم وأمجادهم بشكل غير مباشر، وكل ذلك من شأنه إضفاء بعض الإشراق والفرح على الواقع المر، وشحن الناس بالطاقات الإيجابية ومواجهة مشاكل الحياة العصيبة”.
الطقوس ودلالاتها
وحول الطقوس التي تكتنفها الأضرحة أضاف “أنور”: “تمتلئ الطقوس التي تمارس داخل وفي محيط الأضرحة بدلالات رمزية سيميولوجية بالنسبة لدارس الظاهرة لكنها بالنسبة للممارس ذات دلالة واقعية وتنتج عنها آثار واقعية، لأن الممارس يعتقد في وجود قوة غيبية حاضرة وفاعلة في عناصر الطبيعة وخصوصا تلك المتواجدة في محيط وداخل الضريح لأنه يعتقد أن الولي المدفون في ذلك الضريح مازال حيا وحاضرا كقوة مؤثرة في حياة الناس، هذه القوة التي يسميها الناس البركة، ويغلفونها بغلاف ديني هي امتداد وتجسيد للإحيائية التي اعتقد فيها الإنسان منذ فجر التاريخ؛ لذا حاولت أن أتعرف على الدلالات الرمزية للضريح عقيدة وممارسة من خلال رؤية الممارسين أنفسهم واستشعارهم به، ومحاولة الوصول لعمق ما يشعرون به وما يعتقدون به”.
الضريح موضوع الدراسة
أوضح الباحث موضوع الدراسة التي تناولها قائلا: “مسجد وضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي من أهم المعالم الدينية والروحانية في مدينة الجزائر العاصمة، تأتيه الوفود والمريدين من داخل الجزائر وخارجها، كل حسب تصوراته ومعتقداته ودوافعه وحاجاته، فهو العالم والفقيه والولي الصالح فخر أئمة علماء الجزائر وصلحائها الأتقياء الورعين الأبرار، الإمام المجتهد الحجة، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجعفري، نسبة إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، واحد من أهم الشخصيات وأبرزها في تاريخ منطقة المغرب العربي، ظلّ ذائع الصيت وملأ صيته المعمورة لما اشتهر به من علم ونضال، وقد وُلد الثعالبي سنة 786هـ/1385ميلادية بناحية وادي يسر على نحو ست وثمانين كيلومترا بالجنوب الشرقي من عاصمة الجزائر، وهو موطن آبائه وأجداده الثعالبة، أبناء ثعلب بن علي، من عرب المعقل”.
أهداف الدراسة
وحول أهداف الدراسة أفاد الباحث: “الدراسة تهدف إلى في فهم تصورات المريدين عن الولي، وهل تتشابه مع التصورات الشعبية الأخرى في أي مجتمع عن الأولياء؟ بالإضافة إلى فهم الأسباب النفسية والروحية والاجتماعية والثقافية لزيارة الضريح وإجراء الطقوس والممارسات، ومدى اقتراب أو ابتعاد هذه الممارسات والمعتقدات عن السياق الديني العام، وبذلك يتركز البحث حول عبد الرحمن الثعالبي كنموذج على الاعتقاد الشعبي في الولي حول محورين رئيسيين:
الأول: هو رؤية المريدين للولي ومحاولة فهم الصورة المتجسدة والراسخة لذلك الولي في الوجدان الشعبي الجزائري (أفكارهم الباطنية) التي يستدل عليها بالمقابلات والحوار.
الثاني: الممارسات الظاهرة التي تؤكد وتدل على المعتقد، والتي يلاحظها الباحث أثناء الاحتكاك المباشر بمجتمع البحث”.
هذا ويضم الكتاب أربعة فصول، الأول حدد أهداف الدراسة، والفصل الثاني تناول مجتمع البحث “منطقة القصبة بالجزائر العاصمة” من حيث: الخصائص الإيكولوجية لمنطقة الدراسة، والتركيبة السكانية في المنطقة، والنشاط الاقتصادي، ونمط الإقامة فيها، والملامح الثقافية العامة لها، والمناسبات الدينية في المنطقة، والولي محل الدراسة (خلفية تاريخية)، ووصف إثنوجرافي لموقع الولي وسط منطقة السكن، ووصف الضريح وطريقة بنائه والرسوم والنقوش الموجودة به.
أما الفصل الثالث الذي اتخذ “الممارسات الشعبية المرتبطة بضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي بالجزائر” عنوانا له فقد قُسم إلى: الزيارة لضريح الولي – الهبات والنذور للولي. أما الفصل الرابع وعنوانه “رؤية المريدين للولي (المعتقد)”، فقد تناول الجانب الميداني للدراسة من حيث: أفكار المريدين حول الولي؛ من حيث شكله وهيئته، وأفكار المريدين حول كراماته، وصور تقديس الولي، وصور الارتباط الروحي بين الولي والمريدين، ومكانة الولي وقيمته الدينية، والاعتقاد في قدراته في الشفاء والعلاج، والتداخل بين الاعتقاد في الولي والمعتقد الإسلامي، وآراء علماء الدين في الاعتقاد في الولي والممارسات بمجتمع البحث. وقد اختتم الفصل برصد الأساطير التي ارتبطت بالولي الصالح عبد الرحمن الثعالبي في الأسطورة الجزائرية.
يذكر أن “حامد أنور” شاعر وباحث في الفلكلور الشعبي صدرت له عدة دواوين شعرية منها: “دوامة بتحدف غرب الكون، آخر مواسم الحصاد، في المحنة” بالإضافة إلى ديوان شعري للطفل بعنوان “بستان ألوان”، وكتاب بحثي آخر فى الأدب الشعبي بعنوان “أشكال الغناء الشعبي في الشرقية”.