ثقافةسلايدرعرب وعالممنوعات

زنجباري يعيش فى إنجلترا يفوز بنوبل فى الأدب 2021

ليس عربيًا ولا أفريقيًا.. لكنه إنسان قدم ما يفيد البشرية

كتب – جمال المراغى

ليس الفائز هو بهاء طاهر الذي كنت اتمنى فوزه بها – ولكني كنت سانتقد ذلك إن حدث لأسباب موضوعية تتعلق بعمر الفائز واستمرار عطائه الأدبي إلا أن كنت سأفخر به كمصري وعربي-، وليس الكيني نجوجي وا ثيونجو الذي ذهب البعض يؤكد أنه سيفوز بها أخيرًا بعد تسريب أفاد أنها ستذهب لكاتب أفريقي هذا العام، وكما كنت أود أن يظفر بها هذا الصديق الكبير والعزيز، وإن كان أفريفيا كما كانوا يرددون فلماذا لا يكون الصومالي نور الدين فرح فهو عربي وأفريقي في الوقت نفسه، ولكنه ليس الفائز أيضًا، وإنما وبعيدًا عن الخلافات والاشتباكات حول عرقه فإن الفائز بجائزة نوبل في الأدب لعام 2021 هو “عبد الرزاق قورنه” (1948) كاتب من زنجبار يقيم في انجلترا منذ عام 1968، هكذا يعرفه نفسه و هكذا عرفته مؤسسة نوبل على موقعها الالكتروني احترامًا  لرغبته.

بعد امعان فيما ذهبت إليه مؤسسة نوبل بعد أربعة أيام أعلنت خلالها أهم جوائزها فإن هناك اتجاه واضح بأن تمنح جوائزها هذا العام وربما الأعوام السابقة لمن قدم ما يفيد البشرية، وتحديدًا من لهم اختراعات واكتشافات شديدة الصلة بما يمر به العالم من ظواهر ومشكلات آنية وكذلك من تناول في كتاباته قضايا ملحة وأزمات حالية، أي علماء وكتاب سبقوا عصرهم وتنبئوا وحذروا بعد دراسة وتحليل عميق، وهذا ما ينطبق علىعبد الرزاق قورنه” الذي بدأ الكتابة منذ وصوله لانجلترا عام 1968 وانصب اهتمامه على اتجاهين نبعا من مشاعره وما عايشه منذ وصوله لبلد المهجر ـ وذلك بحسب وصفه ـ وهما أثر الاستعمار الذي لم يبرح ابناء البلدان التي تعرضت له وكذلك اللجوء إلى البلاد الأكثر تحضرًا وثراء، والاتجاه الأول أخذه إلى الثاني.

وجدت مؤسسة نوبل في كتابات “عبد الرزاق قورنه” تحليلًا عميقًا وتفسيرًا شبه تام لآثار الاستعمار على ابناء الشعوب التي تعرضت له ليس فقط فيمن من عايشوه ولكن في الأجيال اللاحقة ووجد هذا طبيعيًا، فالإصابة التي تحدث في بضع ساعات تحتاج لعلاج ربما يستمر لسنوات، فماذا عن دول احتلت لخمسين ومئة بل ومئتي عام مثل شبه الجزيرة الهندية، ومن ثم فهي تحتاح لفترات أطول بكثير من العلاج وعلى من تسببوا في هذه التشوهات تحمل مسئولياتهم تجاهها، كما وجدت المؤسسة عنده أيضًا معالجات لا تقل عمقًا للاجئين لأسباب مختلفة، بل وتناولها بإحساسه كلاجئ يعيش غريبًا عن بلاده ولكنه وجد نفسه في بلد المهجر ولا يمكنه أن ينكر ذلك.

وبالتالي فإن مؤسسة نوبل لم تبحث هذه المرة عن كاتب ذو أصول عربية أو أفريقية أو الاثنين معًا لتمنحه الجائزة وتتصنع أنها ليست عنصرية أو متحيزة، لكنها بحثت عما يحقق الهدف العام الذي وضعته، والذي يحقق وصية “ألفريد نوبل” حرفيًا وأن الجوائز يجب أن تذهب لمن يخدم البشرية، بل وأصبحوا (ملكيين أكثر من الملك)، لأن للأدب معايير لغوية وتقنية وفنية هامة لا يمكن التغاضي عنها، ولكن يمكن إحداث توازن بينها وبين غرض (ما يفيد البشرية)، وهذا ما تجيب عنه الدراسات المتعلقة بقضايا ما بعد الاستعمار واللاجئين التي لا تخلو الاستشهادات بروايات “عبد الرزاق قورنه” وخاصة الجنة، إجلال الصمت، الهجران، عن طريق البحر كما بلغت هذه الروايات القوائم القصيرة والطويلة في جوائز البوكر، ونال عن الأخيرة جائزة راديو فرنسا، كما تعد أعماله من اكثر الروايات مبيعًا في المملكة المتحدة والدول التي اللغة الانجليزية لغتها الأولي، بالتالي فقد تحققت كل المعايير والأهداف، وأمام شعار (ما يفيد البشرية) لن يستنكر أحد أن الجائزة ذهبت لصحفية أو كاتب أغاني أو ياباني ليس بياباني.

ربما بهذا التوجه العام من قبل مؤسسة نوبل تكون قد أهدت للأكاديمية المانحة لجائزة الأدب قبلة الحياة بأن عصفت بمكاتب المراهنات بعيدًا وكذلك المتربصين بها، ووضعتهم في مأزق صعب للغاية يحتاجون معه لاعادة الحسابات إن فطنوا إلى ما باتت تستهدفه مؤسسة نوبل من الأساس، ورغم هذا الهدف السامي، ولكن الموضوعية تجعلنا نذكر أن الفائزين التسعة الذين فازوا بالجوائز الأربع التي أعلن عنها حتى الآن جميهم من الرجال.

ونعود للفائز بجائزة اليوم “عبد الرزاق قورنه” – والذي ذكر أحد أقاربه أن اسم العائلة الحقيقي قرنح – فهو من مملكة أو جزيرة زنجبار لأم يمنية ولأب زنجباري أبويه من اليمن، وهو ما يمكن اعتبارها جذور عربية وكذلك أفريقية نظرًا لأن زنجبار تتبع تنزانيا جغرافيًا، ولكن الواقع يقوم أنه احترامًا وتقديرًا للجزيرة التي ولد ونشأ بها يعتبرها وطنه دون امتداد أخر، وتلك الجزيرة بها ثلاث لغات هي العربية والسواحلية والانجليزية، وهو يكتب بالأخيرة لأنه وبحسب ما أكد في حوارات عدة فإن هذه اللغة التي عرفها وتزود معرفيًا بها، وهي لغة البلد التي هاجر إليها وبدأ الكتابة فيها.

حتى وإن بدى الأثر العربي في كتاباته، فلا يهم إن كان أفريقيًا أو عربيًا، الأهم أنه إنسان يكتب لكل الناس، فالأزمات التي يمر بها العالم وغيرها المنتظر والمتوقع حدوثه في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء يتطلب البحث عما يفيد البشرية، كل البشرية بمختلف أصولها وأعراقها والتكاتف فيما بينهم من أجل النجاة في الدنيا والآخرة معًا، فإن كان هذا هو توجه مؤسسة نوبل بالفعل، فهي بهذا تكون قد بدأت تحقق مبتغى “ألفريد نوبل” بالتكفير عن سيئاته وما اقرفت يداه من جرائم في حق البشرية.                    

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى